وقال قومٌ: مَحَلُّها "القلب".
وقال قومٌ: مَحَلُّها "العقل".
ولكلِّ فريقٍ منهم حُجَجٌ وأدلَّةٌ، وكلٌّ منهم أدرك شيئًا وغابت عنه أشياء. إذ الإدراك المذكور مفتقِرٌ إلى مجموع ذلك، لا يتمُّ إلا به.
والتحقيقُ: أنَّ منشأَ ذلك ومبدأَهُ من "القلب"، ونهايَتَهُ ومستقَرَّهُ في "الرأس".
وهي المسألة التي اختلف فيها الفقهاء: هل العقل في "القلب" أو في "الدِّماغ"؟ على قولين؛ حُكِيا روايتين عن الإمام أحمد (١).
والتحقيق: أنَّ أصلَهُ ومادَّتَهُ من "القلب"، وينتهي إلى "الدِّمَاغ". قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الحج/٤٦]، فجعل العقل (٢) بـ "القلب"، كما جعل السَّمْعَ بـ "الأذُن"، والبَصَرَ بـ "العين".
وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)﴾ [ق/ ٣٧]، قال غيرُ واحدٍ من السلف: "لمن كان له عقلٌ".
واحتجَّ الآخَرون: بأنَّ الرَّجُلَ يُضْرَبُ في رأسه فيزول عقله، ولولا أنَّ العقل في "الرأس" لما زال. فإنَّ السمعَ والبصرَ لا يزولان بضرب اليدِ، ولا الرِّجْلِ، ولا غيرِهما من الأعضاء لعدم تعلقهما بها.
(٢) "العقل" ملحق بهامش (ك).