وإنَّما الجوارح أتباعٌ، وتُبَّعٌ "للقلب" يستخدمها استخدام الملوك للعبيد، والراعي للرعيَّة. والذي يسري إلى الجوارح من الطاعات والمعاصي إنَّما هي آثاره، فإنْ أظْلَمَ أظْلَمَت الجوارح، وإن اسْتَنارَ استنارت، ومع هذا فهو بين إصبعين من أصابع الرحمن -عزَّ وجلَّ- (١).
فسبحان مُقَلِّب القلوب، ومُودِعِها ما يشاء من أسرار الغيوب، الذي يحول بين المرء وقلبه، ويعلم ما ينطوي عليه من طاعته وذنبه (٢)، مُصَرِّفِ القلوب كيف أراد، وحيث أراد. أوحى إلى قلوب أوليائه: أنْ أَقْبِلِي إليَّ، فبَادَرَتْ، وبَاتَتْ (٣) وقَالَتْ (٤) بين يَدَي رَبِّ العالمين. وكَرِه -عزَّ وجَلَّ- انبعاثَ آخرين فَثبَّطَهُم، وقيل: اقعُدُوا مع القاعدين.
كانت أكثر يمين رسول الله - ﷺ -: "لا، ومُقَلِّبِ القلوب" (٥).
وكان من دعائه: "اللهُمَّ يا مُقَلِّبَ القُلُوب ثَبِّتْ قُلُوبنَا على طاعتك" (٦).

(١) أخرج مسلم في "صحيحه" رقم (٢٦٥٤)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-؛ أنَّه سمع رسول الله - ﷺ - يقول: "إنَّ قلوبَ بني آدم كلِّها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلبِ واحدٍ، يصرِّفُه حيث يشاء". ثم قال رسول الله - ﷺ -: "اللهُمَّ مصرِّفَ القلوب؛ صَرِّف قلوبنا على طاعتك".
(٢) من (ز)، وفي باقي النسخ: ودينه.
(٣) ساقط من (ح) و (م).
(٤) جاء في هامش (ز) شرحًا لها: "قوله: "باتَتْ وقَالَتْ"، من البيتُوتة والقَيْلُولة،
أي: استمرَّت ليلَها ونهارَها على ذلك".
(٥) سبق تخريجه (ص/ ١٤).
(٦) أخرجه بهذا اللفظ: أحمد في "المسند" (٣/ ١١٢ و ٢٥٧)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (١٠/ ٢٠٩) و (١١/ ٣٦)، وابن أبي عاصم في "السنَّة" رقم (٢٢٥)، =


الصفحة التالية
Icon