وإنَّما قَبُحَت مِنَّةُ المخلوق لأنَّها مِنَّةٌ بما ليس منه، وهي مِنَّةٌ يتأذَّى بها الممنون عليه. وأمَّا مِنَّةُ المَانِّ (١) بفضله التي ما طاب العيش إلا بمِنَّته، وكلُّ نعمةٍ منه في الدنيا والآخرة فهي مِنَّةٌ يَمُنُّ بها على من أنعم عليه = فتلك لا يجوز نفيها. وكيف يجوز أن يقال: إنَّه لا مِنَّةَ لله على "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" في دخول الجنَّة؟! وهل هذا إلا من أبطل الباطل؟!
فإن قيل: هذا القَدْر لا يخفى على من قال هذا القول من العلماء، وليس مرادهم ما ذُكِر، وإنَّما مرادُهم أنَّه لا يَمُنُّ عليهم به، وإن كانت لله فيه المِنَّة عليهم، فإنَّه لا يَمُنُّ عليهم به، بل يقال لهم: هذا جزاء أعمالكم التي عملتموها في الدنيا، وهذا أجركم، فأنتم تستوفون أجور أعمالكم، ولا نَمُنُّ عليكم بما أعطيناكم.
قيل: وهذا -أيضًا (٢) - هو الباطل بعينه، فإنَّ ذلك الأجرَ ليست الأعمالُ ثمنًا له، ولا معاوضةً عنه، وقد قال أعلم الخلق بالله - ﷺ -: "لن يدخُلَ أحدٌ منكُم الجنَّةَ بعمله" قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال "ولا أنا؛ إلَّا أن يتغمَّدني اللهُ برحْمَةٍ منهُ وفَضْلٍ" (٣)، فأخبر أنَّ دخولَ الجنَّة برحمة الله وفضله، وذلك محض مِنَّته عليه وعلى سائر عباده، وكما أنَّه -سبحانه- المَانُّ بإرسال رسله، وبالتوفيق لطاعتهم، وبالإعانة عليها = فهو المَانُّ بإعطاء الجزاء، وذلك كلُّه محض مِنَّته وفضله وجوده، لا حَقَّ لأحدٍ عليه، بحيث إذا وفَّاهُ إيَّاهُ لم يكن له عليه مِنَّةٌ، فإن

(١) في (ز): المنَّان.
(٢) ساقط من (ن).
(٣) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم (٥٣٤٩ و ٦٠٩٨)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٢٨١٦)؛ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


الصفحة التالية
Icon