قال الكِسَائي (١): "يقال: ما صدَّقَكَ بكذا، أو ما كذَّبَكَ بكذا؛ أي: ما حملك على التصديق والتكذيب".
قلت: وهو نظير: ما جَرَّأَكَ على هذا، أي: ما حَمَلَكَ على الاجتراء عليه. وما قَدَّمَك، وما أَخَّرَك، أي: ما دَعَاكَ وحمَلَك على التقدُّمِ والتأخُّرِ، وهذا استعمالٌ سائغٌ في العربية (٢)، وبالله التوفيق.
ثُمَّ ختم السورة بقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (٨)﴾ [التين/ ٨]، وهذا تقريرٌ لمضمون السورة من إثبات النُّبوَّة، والتوحيد، والمَعَاد [ح/١٩]، وحُكْمُه يتضمَّن نَصْرَهُ لرسوله على من كذبَهُ وجحد ما جاء به بالحُجَّة والقدرة والظهور عليه، وحُكْمَه بين عباده في الدنيا بشرعه وأمره، وحُكْمَه بينهم في الآخرة بثوابه وعقابه، وأنَّ أحكم الحاكمين لا يليق به تعطيل هذه الأحكام بعدما ظهرت حكمته في خلق الإنسان في أحسن تقويم، ونَقْلِه (٣) في أطوار التخليق حالًا بعد حالٍ إلى أكمل أحواله. فكيف يليق بأحكم الحاكمين أن لا يجازي المُحْسِنَ بإحسانه، والمُسِيءَ بإساءته؟ وهل ذلك إلا قَدْحٌ في حُكْمِهِ وحِكْمَتِهِ؟
فَلِلَّهِ ما أخصرَ لفظَ هذه السورة، وأعظم شأنها، وأتمَّ معناها، والله أعلم.
انظر: "نزهة الألباء" (٦٧)، و "إنباه الرواة" (٢/ ٢٥٦)، و"السير" (٩/ ١٣١).
(٢) في (ح) و (م): موافق للعربية.
(٣) من (ح) و (م)، وفي باقي النسخ: وتنقله.