قال الواحديُّ: "وهذا هو القول، لأنَّ الشَرَّ يؤدِّي إلى العذاب، فهو الخَلَّة العُسْرَى، والخيرَ يؤدِّي إلى اليُسْرِ والراحةِ في الجنَّة، فهو الخَلَّةُ اليُسْرَى، يقول: سَنُهَيِّئُه للشَّرِّ، بأن نُجْرِيه على يديه" (١).
قال الفرَّاء: "والعربُ تقوِل: قد يَسَّرَتْ غنمُ فلان، إذا تَهَيَّأَتْ للوِلادة، وكذلك إذا ولدت وغزُرَتْ ألبانُها، أي: يَسَّرَتْ ذلك على أصحابها" انتهى (٢).
والتيسير للعُسْرَى يكون بأمرين:
أحدهما: أن يحول بينه وبين أسباب الخير، فيجري الشَّرُّ على قلبه، ونيته، ولسانه، وجوارحه [ك / ٢٠].
والثاني: أن يحول بينه وبين الجزاء الأيسر، كما حال بينه وبين أسبابه.
فإن قيل: كيف قَابلَ "اتَّقَى" بـ "استغنى"؟ وهل يمكنُ العبدَ أن يستغنيَ عن ربِّه طَرْفَةَ عَينٍ؟
قيل: هذا من أحسن المقابلة (٣)، فإنَّ المتَّقِي لمَّا استشعر فَقْرَهُ وفَاقَتَهُ، وشدَّةَ حاجته إلى ربِّه = اتَّقَاهُ، ولم يتعرَّض لسخَطِه وغضبه ومَقْته، بارتكاب ما نهاه عنه. فإنَّ من كان فقيرًا شديدَ الحاجةِ والضرورةِ إلى شخصِ فإنَّه يَتَّقي غضَبَهُ وسخطَهُ عليه غاية الاتِّقَاء، ويجانب ما يكرهُهُ غايةَ المجانبة، ويعتمدُ فعلَ ما يحبُّهُ ويُؤثِرُهُ.
(٢) "معاني القرآن" (٣/ ٢٧٠).
(٣) في (ن): المقالة.