فهذا من البديع المعنوي عندهم، ومعلوم أن هذا الكذب الذي صرَّح صاحبُه بأن الجوزاء ناوية لخدمة الممدوح، وأن الكواكب التي حولها المعروفة بنطاق الجوزاء أنها نطاق شدَّتْه عليها لعزمها على التشمير لخدمة الممدوح= لا يجوز وقوع مثله في القرآن.
ومن ذلك الإغراق والغلو من أنواع المبالغة، فإن الإغراق جائز مطلقًا عند البلاغيين.
والغلو يجوز عندهم في بعض الأحوال ويمتنع في بعضها.
والإغراقُ عندهم هو ما أمكن عقلًا واستحال عادةً، كقول الشاعر:

ونُكرِمُ جارَنَا ما دامَ فينا ونُتْبعُهُ الكرامةَ حيثُ مالا
ومعلوم أن المستحيل عادة لم يقع بالفعل وإن جاز عقلًا، وهذا لا يجوز في القرآن؛ لأنه كذب.
والتحقيق أن هذا البيت من الإغراق لا من التبليغ كما زعمه البعض؛ لأن اتباعه الكرامة في كل مكان ارتحل إليه دائمًا مما تمنعه العادة وإن جاز عقلًا.
وكقول أبي الطيب:
كَفَى بجسمي نحولًا أنَّني رجلٌ لولا مخاطبتي إياكَ لمْ تَرَني
لأنه يجوز عقلًا وصول الشخص في النحول إلى هذه الحال وإن امتنع عادة، ومعلوم أن مثل هذا لا يجوز في القرآن.
والغلو -عندهم- ما لا يمكن عقلًا ولا عادة، كقول أبي نواس:


الصفحة التالية
Icon