فإنه مستعمل في نفس موضوعه وهو كذب لاستحالته عادة، وليس مستعملًا في لازمٍ صادقٍ كالحديث، فاتضح الفرق.
فإن قيل: الكناية هي اللفظ الذي أريد به لازم معناه -كما ذكرتم- ولكن من تمام تعريفها جواز إرادة المعنى الأصلي، وبذلك القيد تفارق المجاز، كقول الشاعر:
فَمَا يَكُ فِيّ من عَيبٍ فإنِّي | جبانُ الكلْبِ مهزولُ الفصيلِ |
وقول الخنساء في صخر:طويلُ النّجادِ عظيمُ الرما | د سَادَ عشيرته أمردا |
فإن جبان الكلب، ومهزول الفصيل، وعظيم الرماد: كنايات عن الجود، وطويل النجاد كناية عن طول القامة، مع أنه يجوز في كلها قصد المعنى الأصلي؛ لأن الجواد مهزول الفصيل لنحره أمه، وصرفه اللبن عنه في الحقوق. وكذلك هو جبان الكلب لكثرة غشيان الضيوف بيته. وكذلك هو كثير الرماد لكثرة وقود الحطب لقرى الضيف، وطويل القامة طويل النجاد أيضًا، فلا مانع من قصد هذه المعاني الأصلية، وإن كان المراد الانتقال منها إلى لوازمها، ولو أردنا أن نقصد المعنى الأصلي في الحديث لقوله: "لا يضع عصاه عن عاتقه" لأدى ذلك إلى الكذب المستحيل أو الإغراق في كلامه - ﷺ -.
فالجواب: أن الفرق بين الكناية والإغراق واقع على كل حال؛ لأن المراد بلفظ الكناية لازم معناه، وإن جاز قصد أصله معه بالنظر إلى ذاته، مع أنه ربما امتنع قصده لعارض كما في هذا الحديث، كما نبه