بما ذكر المتكلم فقال بموجبه، ثم حمله على غير مراده، وحمل كلام المتكلم على غير مراده تارة يكون بإعادة المحمول الذي هو المسند كقوله: قال: ثقلت كاهلي، بعد قوله: قلت ثقلت، وقول بعضهم:

جاءَ أَهلِي لمَّا رَأوني عَليلًا بحَكيمٍ لشرح دائي يُسْعف
قال هذا بهِ إصابةُ عَينٍ قَلتُ عينُ الحبيبِ إن كنت تعرف
وتارة يكون بغير إعادة المحمول أعني المسند، كقوله: "فقلت وعارض"= فإن مثل هذا كله لا يجوز منه شيء في القرآن لأنه مغالطة، وقول بما يعلم قائله إنه باطل لعلمه بأن ما حُمِل عليه كلام المتكلم غير مراده.
وما زعمه كثير من أهل البلاغة من أن هذا الضرب من ضَرْبَي القول بالموجب هو الأسلوب الحكيم، وأنه جاء في القرآن في قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ الآية [سورة البقرة: ١٨٩]. وقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيرٍ فَلِلْوَالِدَينِ﴾ الآية [سورة البقرة: ٢١٥].
فهو غير صحيح؛ لأنه ليس في الآيتين الحكم بوقوع نسبة خبرية إيجابًا أو سلبًا حتى يقال بموجبها أو لا يقال به.
وقد أجمع عامة النظار على أن التصديق لا يوجد بالفعل إلا عند وجود التصور الرابع، الذي هو تصور وقوع النسبة بالفعل أو عدم وقوعها، سواء قلنا بأنه مركب أو بسيط، فالشاك في وقوع النسبة يتصور ثلاثة تصورات، وهي تصور الموضوع الذي هو المحكوم عليه، وتصوّر


الصفحة التالية
Icon