المتقدِّمَين بأن ذلك مبنيٌّ على تناسي التشبيه قضاء لحقِّ المبالغة ودلالة على أن المشبه بحيث لا يتميز عن المشبه به حتى إن كل ما يترتب على المشبه به من التعجب والنهي عنه يترتب على المشبه أيضًا. وقس على ذلك بيت المتنبي. وفرقوا بين الاستعارة والكذب بأمرين:
الأول: بناء الدعوى في الاستعارة على التأويل في دعوى دخول المشبه في جنس المشبه به بجعل أفراد المشبه به قسمين متعارف وغير متعارف كما مر.
والثاني: نصب القرينة على أن المراد بها خلاف الظاهر، فإن الكاذب يتبرأ من التأويل ولا ينصب دليلًا على خلاف زعمه؛ بل يجتهد في ترويج ظاهره، وعلى كل حال فقد عرفت مرادهم. ولا يخفى عليك أن ادعاء دخول الرجل الشجاع في حقيقة الحيوان المفترس مكابرة ضرورية البطلان لتنافي حقيقتيهما، والحكم بأحد المتنافيين على الآخر إيجابًا باطل بإجماع العقلاء. ومعلوم أن الجنس لا يجوز نفيه عن أي فرد من أفراده، والتحقيق الذي لا تناقض فيه هو ما قدمناه من أن العرب تطلق لفظ الأسد على الحيوان المفترس، وتطلقه على الرجل الشجاع في حالة اقترانه بما يدل على ذلك. والكل من أساليب اللغة العربية، وكلا الإطلاقين حقيقة في محله كما تقدم.
ومما يدل لذلك أن القائلين بالمجاز يجيزون نفيه دون الحقيقة، مع ادعائهم دخول المجاز في جنس الحقيقة كما تقدم. فيلزم على ذلك كون القضية الواحدة جائزة النفي غير جائزته؛ لأنها باعتبار الحقيقة لا


الصفحة التالية
Icon