لي عن غيره من المفسرين، واستدل على اختياره هذا بما جاء في القرآن الكريم، وهذا قوله: "وعلمنا أنّ البَداء هو ظهور أمر في أنفسهم كانوا يخفونه في الدنيا، أي خطر لهم حينئذٍ ذلك الخاطر الذي كانوا يخفونه، أي الذي كان يبدو لهم، أي يخطر ببالهم وقوعه، فلا يُعلنون به، فبدا لهم الآن، فأعلنوا به وصرّحوا مُعترفين به. ففي الكلام احتباك، تقديره: بل بدا لهم ما كان يبدو لهم في الدنيا فأظهروه الآن وكانوا يخفونه، وذلك أنّهم كانوا يخطر لهم الإيمان لما يرون من دلائله أو من نصر المؤمنين فيصدّهم عنه العناد والحرص على استبقاء السيادة والأنفة من الاعتراف بفضل الرسول وبسبق المؤمنين إلى الخيرات قبلهم، وفيهم ضعفاء القوم وعبيدهم (١)
وقريب من ترجيح ابن عاشور هذا ما اختاره ابن عطية حيث يقول: " الذي كانوا يخفونه في الدنيا نبوة محمد - ﷺ - وأقواله، وذلك أنهم كانوا يخفون ذلك في الدنيا بأن يحقروه عند من يرد عليهم ويصفوه بغير صفته.. " (٢).
وفسره الطبري وأبو حيان بما كانوا يخفون عن الناس من قبائحهم - أي أعمالهم - (٣).
واختار ابن كثير والألوسي أن المراد بـ ﴿بَدَا لَهُمْ﴾ أي ما كانوا يكذبون به في الدنيا من الجزاء وهو النار (٤).
_________
(١) التحرير والتنوير، ج ٤، ص ١٨٥.
(٢) المحرر الوجيز / ابن عطية، ج ٢، ص ٢٨٢.
(٣) انظر جامع البيان / الطبري، ج ٧، ص ٢٠٧، والبحر المحيط / أبو حيان، ج ٤، ص ١٠٨.
(٤) انظر تفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج ٦، ص ٢٣، وروح المعاني / الألوسي، ج ٤، ص ١٢٢.