ذُكر وقوفُهم عليها، وأُشير إلى أنه اعتراهم عند ذلك من الخوف والخشية والحَيْرة والدهشة ما لا يُحيط به الوصفُ، ورُتّب عليه تمنِّيهم المذكورُ بالفاء القاضيةِ بسببية ما قبلها لما بعدها، فإسقاطُ النار بعد ذلك من تلك السببية وهي في نفسها أدهى الدواهي وأزجرُ الزواجر، وإسنادُها إلى شيء من الأمور المذكورة التي دونها في الهول والزجر مع عدم جَرَيانِ ذكرها ثَمةَ أمرٌ يجب تنزيهُ ساحةِ التنزيل عن أمثاله، وأما ما قيل من أن المراد جزاءُ ما كانوا يُخفون فمن قبيل دخولِ البيوت من ظهورِها وأبوابُها مفتوحة فتأمل " (١).
وردّ القاسمي ما ذهب إليه أبو السعود فقال: "لا ريب في بلاغة ما قرره ونفاسته، لولا تكلفه حمل الإخفاء على ماذكره، مما هو غير ظاهر فيه، وليس له نظائر في التنزيل الكريم. فمجازيته حينئذ من قبيل المعمى. وفي الوجوه الأُوَل إبقاؤه على حقيقته بلا تكلف، وشموله لها غير بعيد؛ لأن في كل منها ما يؤيده، كما بيناه، غاية الأمر أنما قرره وجه منها بديع. وأما كونه المراد لا غير، فدونه خرط القتاد، والله أعلم بأسرار كتابه " (٢).
حجة من قال: إن المراد بالآية: بدا للأتباع ما كان يُخفيه الرؤساء:
قال الزجاج: " والدليل على صحة هذا القول أنه تعالى ذكر عقبيه ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ (٣). أي ظهر للذين
_________
(١) انظر إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم / أبو السعود، ج ٣، ص ١٢٤ باختصار.
(٢) محاسن التأويل / القاسمي، ج ٤، ص ٣٤٤.
(٣) سورة الأنعام، الآية (٢٩)


الصفحة التالية
Icon