وترجيح ابن عاشور هنا لايعني مخالفته للقاعدة التي نصّ عليها، وذلك أن القاعدة ضابطها: أن الأصل إطلاق اللفظ على ظاهره مالم يرد دليل يصرفه عن ظاهره وقد تظاهرت الأدلة على أن المراد بالإيمان في هذه الآية هو الصلاة.
وكذلك رجّح الطبري أيضاً أن المراد بـ " إِيمَانَكُمْ " في هذه الآية صلاتكم وكذلك ابن عطية والرازي، والقرطبي، وأبو حيان، وابن كثير، والشوكاني، والألوسي، والقاسمي، والشنقيطي (١).
حجة من قال: إن المراد بـ " إِيمَانَكُمْ " صلاتكم:
استدلوا على ذلك بما جاء في السنة في سبب نزول هذه الآية.
روى الطبري بسنده عن السدي قال: " لما وُجِّه رسول الله - ﷺ - قبَل المسجد الحرام، قال المسلمون: ليتَ شِعْرنا عن إخواننا الذين مَاتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس! هل تقبَّل الله منا ومنهم أو لا؟ فأنزل الله جل ثناؤه فيهم: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" قال، صلاتكم قبَلَ بيت المقدس: يقول: إنّ تلك طاعة وهذه طاعة " (٢).
قال ابن عطية: " وسمى الصلاة إيماناً لما كانت صادرة عن الإيمان والتصديق
_________
(١) انظر جامع البيان / الطبري، ج ٢، ص ٢٦٣، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج ١، ص ٢٢١، والتفسير الكبير / الرازي، ج ٢، ص ٩٣، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج ٢، ص ١٦٢، والبحر المحيط / أبوحيان، ج ١، ص ٦٠٠، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج ٢، ص ١١٥، وفتح القدير / الشوكاني، ج ١، ص ١٥٢، وروح المعاني / الألوسي، ج ١، ص ٤٠٦، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج ١، ص ٤٦٨، وأضواء البيان / الشنقيطي، ج ١، ص ٤٠.
(٢) جامع البيان / الطبري، ج ٢، ص ٢٣.