فهو حسبه وكفى بالله وكيلاً، فكيف يأمره في الأولى التحريض على قتالهم بهذا الجَلَد، ويأمره في الثانية بترك آذاهم، فظنوا هذا تناقضاً، فطاروا به فرحاً، واتخذوه حجراً.
والجواب:
ليس هناك أي تضارب، فالكافرون والمنافقون كانوا يؤذون رسول الله - ﷺ - بألسنتهم وباختلاق أقوال عليه، فأمره الله بأن يدع أذاهم له، فهو سبحانه وتعالى يتولى رد كيدهم في نحرهم، ودحض افتراءاتهم على رسوله، فكفى بالله وكيلاً، فأمره في آية الأحزاب أن لا يقابل اللسان بالسنان، بينما أَمَرَه في شأن الكفار المحاربين أن يحرض المؤمنين على قتالهم، والتجلد لهم، فأمره الله سبحانه في آية الأنفال بمقابلة الَسَّنان بالسَّنان، فالحكمة تقتضي وضع السيف في موضعه واللين في موضعه، فلا تعارض إذن بين الآيتين (١).
قلت: وما ذهب إليه ابن عاشور هو القول الراجح من أن الآية غير منسوخة، وأنه يمكننا الأخذ بكلا القولين: الصبر وكف الأذى، ولكن يبقى كف الأذى وعدم معاقبتهم راجع للأحوال، وهذا الترجيح أي الأخذ بكلا القولين تعضده قاعدة عمل بها المفسرون في تفاسيرهم وهي: (أنه إذا احتمل اللفظ معان عدة ولم يمتنع إرادة الجميع حمل عليها) (٢).
_________
(١) الطعن في القرآن والرد على الطاعنين / عبد المحسن زبن المطيري في القرن الرابع الهجري، ج ١، ص ٥٢.
(٢) انظر عقود المرجان في قواعد المنهج الأمثل في تفسير القرآن / أحمد سلامة أبو الفتوح، ص ١٥٠.


الصفحة التالية
Icon