وانتقد ابن عاشور الراغب الأصفهاني في تعريفه للنسخ بأنه مجرد الإثبات فقال:
"وأما أن يطلق على مجرد الإثبات فلا أحسبه صحيحا في اللغة، وإن أوهمه ظاهر كلام الراغب وجعل منه قولهم: نسخت الكتاب إذا خططت أمثال حروفه في صحيفتك إذ وجدوه إثباتا محضا، لكن هذا توهم لأن إطلاق النسخ على محاكاة حروف الكتاب إطلاق مجازي بالصورة، أو تمثيلية الحالة بحالة من يزيل الحروف من الكتاب الأصلي إلى الكتاب المنتسخ، ثم جاءت من ذلك النسخة قال تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (١) وقال: ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ (٢) وأما قولهم الولد نسخة من أبيه فمجاز على مجاز.
ولا يطلق النسخ على الزوال بدون إزالة فلا تقول نسخ الليل النهار؛ لأن الليل ليس بأمر وجودي بل هو الظلمة الأصلية الحاصلة من انعدام الجرم المنير " (٣).
_________
(١) سورة الجاثية، الآية (٢٩).
(٢) سورة الأعراف، الآية (١٥٤).
(٣) التحرير والتنوير، ج ١، ص ٦٥٧.