وفي ذلك يقول النحاس مرجحاً هذا القول: " فثبت أن قول أكثر العلماء أن الآية منسوخة مع ما صح فيها من توقيف ابن عباس ولو لم يأت الحديث عن ابن عباس لكان النظر يوجب أنها منسوخة؛ لأنهم قد أجمعوا جميعا أن أهل الكتاب إذا تحاكموا إلي فله أن ينظر بينهم وأنه إذا نظر بينهم مصيب ثم اختلفوا في الإعراض عنهم على ما ذكرنا فالواجب أن ينظر بينهم لأنه مصيب عند الجماعة وألا يعرض عنهم فيكون عند بعض العلماء تاركا فرضا فاعلا ما لا يحل له ولا يسعه " (١).
القول الراجح:
إن الآيات محكمة وليست منسوخة، والرسول - ﷺ - مخير في الحكم بينهم أو الإعراض، فإن اختار الحكم فليكن هذا الحكم بما أنزل الله. وهذا القول هو الذي رجحه ابن عاشور بناءً على قاعدة المبحث بأن الأصل عدم النسخ مالم يرد دليل صحيح صريح على خلاف ذلك.
وما استدل به القائلون بالنسخ من أن الآية نزلت أول ما قدم النبي - ﷺ - إلى المدينة، لا دليل عليه.
" ولعله ليس بعيداً ولا خفياً أن الرجم لم يشرع في الإسلام إلا بعد الهجرة بسنوات، فقد فرضت سورة النساء على الزواني، والزناة عقوبة غيره، ثم شرع الحد وهو الجلد بعد ذلك بآية سورة النور، وشرعت السنة مع الجلد لغير المحصنين والمحصنات الرجم للمحصن والمحصنة، فكيف يحكم رسول الله - ﷺ -
_________
(١) الناسخ والمنسوخ / النحاس، ج ١، ص ٣٩٧.


الصفحة التالية
Icon