عليه قوله: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ (١) وإذْ لم يكن في ظاهر التنزيل دليلٌ على نسخ إحدى الآيتين الأخرى، ولا نفي أحد الأمرين حكم الآخر، ولم يكن عن رسول الله - ﷺ - خبرٌ يصحُّ بأن أحدهما ناسخ صاحبَه، ولا من المسلمين على ذلك إجماعٌ، صحَّ ما قلنا من أن كلا الأمرين يؤيِّد أحدهما صاحبه، ويوافق حكمُه حكمَه، ولا نسخ في أحدهما للآخر (٢).
كما رجّح الزرقاني أن الآية محكمة فقال: " إن الآية الثانية متممة للأولى فالرسول مخير بمقتضى الآية الأولى بين أن يحكم بينهم وأن يعرض عنهم، وإذا اختار أن يحكم بينهم وجب أن يحكم بما أنزل الله بمقتضى الآية الثانية وهذا ما نرجحه لأن النسخ لا يصح إلا حيث تعذر الجمع " (٣).
وقال الدكتور مصطفى زيد مرجحاً هذا القول بقوله: " وإذا ما نظرنا في المراد بالآيتين المدعى نسخ إحداهما هنا للأخرى لم نجد بينهما من التعارض ما يسوغ النسخ على الإطلاق؛ ذلك أن أولاهما وهي المدعى عليها النسخ تخير النبي - ﷺ - بين الحكم في خصومهم والإعراض عنهم، والثانية وهي المدعى أنها ناسخة تأمره بأن يحكم بينهم بما أنزل الله، وتنهاه عن أن يتبع أهواءهم... فالآيتان إذاً لا تعارض بينهما؛ فإن تخيير النبي - ﷺ - بين أن يحكم في الخصومة التي رفعوها إليه، وأن يعرض عنها فلا يحكم فيها لا ينافيه أن يؤمر
_________
(١) سورة المائدة، الآية (٤٢).
(٢) جامع البيان / الطبري، ج ٦، ص ٢٩٥.
(٣) مناهل العرفان / الزرقاني، ج ٢، ص ٢٠٧.


الصفحة التالية
Icon