وقال ابن العربي مؤكداً هذا المعنى: " اعلموا وفقكم الله أن هذه الآية من أمهات الآيات ومحكماتها؛ أمر الله سبحانه فيها بالقتال، وبيّن كيفيته كما بينه في قوله تعالى: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ (١) حسبما تقدم بيانه في الأنفال؛ فإذا تمكن المسلم من عنق الكافر أجهز عليه، وإذا تمكن من ضرب يده التي يدفع بها عن نفسه ويتناول بها قتال غيره فعل ذلك به؛ فإن لم يتمكن إلا ضرب فرسه التي يتوصل بها إلى مراده فيصير حينئذ راجلاً مثله أو دونه، فإن كان فوقه قصد مساواته، وإن كان مثله قصد حطه، والمطلوب نفسه، والمآل إعلاء كلمة الله تعالى؛ وذلك أن الله سبحانه لما أمر بالقتال أولاً، ، وعلم أن ستبلغ إلى الإثخان والغلبة بيّن سبحانه حكم الغلبة بشد الوثاق، فيتخيّر حينئذ المسلمون بين المن والفداء " (٢).
وَأَمَّا قَوْلُهُ: :﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ فَقَدْ قَالَ: ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ (٣)، وهذا قوله: " والغاية المستفادة من ﴿حَتَّى﴾ في قوله: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ (٤) للتعليل لا للتقييد، أي لأجل أن تضع الحرب أوزارها، أي ليكفّ المشركون عنها فتأمنوا من الحرب عليكم وليست غاية لحكم القتال. والمعنى يستمر هذا الحكم بهذا ليهِن العدوَّ فيتركوا حربكم،
_________
(١) سورة الأنفال، الآية (١٢).
(٢) أحكام القرآن / ابن العربي، ج ٤، ص ٩٧، والناسخ والمنسوخ / ابن العربي، ص ٢٠٦..
(٣) سورة التوبة، الآية (٥).
(٤) سورة محمد، الآية (٤).


الصفحة التالية
Icon