آخر الآية: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فإن ذلك يقتضي أن يكون المراد من الإيمان في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ غير المراد منه في قوله تعالى: ﴿مَنْ آمَنَ﴾ ونظيره في الإشكال قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾ (١) فلأجل هذا الإشكال اختلفوا
فمنهم من ذهب إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (٢) وهو قول ابن عباس - رضي الله عنه - (٣).
ومنهم من ذهب إلى أن الآية غير منسوخة، وأن المقصود بالذين آمنوا هم أهل الحنيفية ممن لم يلحق محمداً - ﷺ -، كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، والذين هادوا كذلك ممن لم يلحق محمداً - ﷺ -، إلا من كفر بعيسى عليه السلام، والنصارى كذلك ممن لم يلحق محمدا - ﷺ -، والصابئين كذلك، حيث إنها نزلت في سلمان الفارسي، وأصحابه النصارى، وذكر له الطبري قصة طويلة، مقتضاها أنه صحب عباداً من النصارى فقال له آخرهم: إن زمان نبي قد أظل، فإن لحقته فآمن به، ورأى منهم عبادة عظيمة فلما جاء إلى النبي - ﷺ - ذكر له خبرهم، وسأله عنهم، فنزلت هذه الآية، وهذا
_________
(١) سورة النساء، الآية (١٣٦).
(٢) سورة آل عمران، الآية (٨٥).
(٣) أخرج رواية ابن عباس الطبري في تفسيره، ج ١، ص ٣٧٢.


الصفحة التالية
Icon