حجة أصحاب القول الثاني الذين يقولون أن المراد (ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة):
أصحاب هذا القول يرون أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ﴾.
ذكر الرازي حجتهم على قولهم، وهو ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: لما نزلت هذه الآية فرح المشركون والمنافقون واليهود وقالوا كيف نتبع نبياً لايدري ما يفعل به وبنا؟ فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ﴾ إلى قوله: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (١)، فبيّن تعالى ما يفعل به وبمن اتبعه ونسخت هذه الآية، وأرغم الله المنافقين والمشركين (٢).
روى الطبراني في الأوسط بسنده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن نبي الله - ﷺ - لما أنزلت عليه هذه الآية، قال: «لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعا»، فلما تلا نبي الله - ﷺ - قال رجل من القوم: هنيئا لك يا نبي الله، قد بين الله لك ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ (٣) لم يرو هذا الحديث عن
_________
(١) سورة الفتح، الآية (١ - ٥).
(٢) انظر التفسير الكبير / الرازي، ج ١٠، ص ٩.
(٣) سورة الفتح، الآية (٥).


الصفحة التالية
Icon