وليس يجوز أن يقول لهم ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، فيقولون كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير إلى خفض ودعة أم إلى عذاب وعقاب" (١).
وذكر الرازي أن أكثر المحققين استبعدوا هذا القول واحتجوا عليه بوجوه هي:
الأول: أن النبي - ﷺ - لا بد وأن يعلم من نفسه كونه نبياً، ومتى علم كونه نبياً علم أنه لا تصدر عنه الكبائر وأنه مغفور له، وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكاً في أنه هل هو مغفور له أم لا.
الثاني: لا شك أن الأنبياء أرفع حالاً من الأولياء، فلما قال في هذا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (٢) فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأتقياء وقدوة الأنبياء والأولياء شاكاً في أنه هل هو من المغفورين أو من المعذبين؟.
الثالث: أنه تعالى قال: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ (٣) والمراد منه كمال حاله ونهاية قربه من حضرة الله تعالى، ومن هذا حاله كيف يليق به أن يبقى شاكاً في أنه من المعذبين أو من المغفورين؟ فثبت أن هذا القول
_________
(١) الناسخ والمنسوخ / النحاس، ج ١، ص ٦٦٥.
(٢) سورة الأحقاف، الآية (١٣).
(٣) سورة الأنعام، الآية (١٢٤).


الصفحة التالية
Icon