تعالى من سورة التغابن ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (١)، ومنهم من قال بأنها محكمة، وآية التغابن مبينة ومخصصة.
وقد ذكر هذا الخلاف ابن عاشور في تفسيره وبيّن بأنه لا تعارض بين الآيتين، فقال: " وهذه الآية أصل عظيم من أصول الأخلاق الإسلامية. والتَّقوى تقدّم تفسيرها عند قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (٢)، وحاصلها امتثال الأمر، واجتناب المنهي عنه، في الأعمال الظَّاهرة، والنَّوايا الباطنة.
وحقّ التقوى هو أن لا يكون فيها تقصير، وتظاهر بما ليس من عمله، وذلك هو معنى قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ لأنّ الاستطاعة هي القدرة، والتَّقوى مقدورة للنَّاس. وبذلك لم يكن تعارض بين الآيتين، ولا نسخ، وقيل: هاته منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ لأنّ هاته دلّت على تقوى كاملة كما فسَّرها ابن مسعود: أن يطاع فلا يعصى، ويُشكر فلا يكفر، ويذكر فلا يُنْسى، ورووا أنّ هذه الآية لمَّا نزلت قالوا: «يا رسول الله من يَقوىَ لهذا» فنزلت قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ فنسَخَ هذه بناء على أنّ الأمر في الآيتين للوجوب، وعلى اختلاف المراد من التقويين " (٣).
ورجّح ابن عاشور كما تقدم أن الآية محكمة، وأن آية التغابن مبينة
_________
(١) سورة التغابن، الآية (١٦).
(٢) سورة البقرة، الآية (٢).
(٣) التحرير والتنوير / ابن عاشور، ج ٣، ص ٣٠.


الصفحة التالية
Icon