يشركوا به شيئاً» وهذا لا يجوز أن ينسخ.
الثاني: إن معنى قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ أي كما يحق أن يتقى، وذلك بأن يجتنب جميع معاصيه، ومثل هذا لا يجوز أن ينسخ لأنه إباحة لبعض المعاصي، وإذا كان كذلك صار معنى هذا ومعنى قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ واحداً لأن من اتقى الله ما استطاع فقد اتقاه حق تقاته، ولا يجوز أن يكون المراد بقوله ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ ما لا يستطاع من التقوى، لأن الله سبحانه أخبر أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها والوسع دون الطاقة ونظير هذه الآية قوله: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ (١).
فإن قيل: أليس أنه تعالى قال: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ (٢)، قلنا: سنبين في تفسير هذه الآية أنها جاءت في القرآن في ثلاثة مواضع، وكلها في صفة الكفار لا في صفة المسلمين، أما الذين قالوا: إن المراد هو أن يطاع فلا يعصى فهذا صحيح والذي يصدر عن الإنسان على سبيل السهو والنسيان فغير قادح فيه لأن التكليف مرفوع في هذه الأوقات، وكذلك قوله: أن يشكر فلا يكفر، لأن ذلك واجب عليه عند خطور نعم الله بالبال، فأما عند السهو فلا يجب، وكذلك قوله: أن يذكر فلا ينسى، فإن هذا إنما يجب عند الدعاء والعبادة وكل ذلك مما لا يطاق، فلا وجه لما ظنوه أنه منسوخ " (٣).
_________
(١) سورة الحج، الآية (٧٨).
(٢) سورة الأنعام، الآية (٩١).
(٣) التفسير الكبير / الرازي، ج ٣، ص ٣١٠.


الصفحة التالية
Icon