فكر، ومُدَّ به قلم، فقد أنزله الله على نبيه محمد ﷺ بأحسن بيانٍ وأجمل عبارةٍ، وأبلغ دلالةٍ وهدايةٍ، غير أن الغاية العظمى من إنزاله هي تدبره، والعمل بمقتضى أحكامه وشريعته، والاعتبار بقصصه وأخباره، والاستنارة بتوجيهاته وهداياته، والتفكر في آياته ومعانيه، فهو كتاب هذه الأمة المباركة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وهو السبيل إلى عزها ونصرها وسموها.
وقد ندب الله تعالى خلقه إلى فهمه وتدبر معانيه، فقال عز من قائل: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (١).
وقد أدرك المسلمون كبير فضل الله عليهم، فأفنوا الأعمار واجتهدوا في خدمة دين الله، وتبليغ رسالته، ودراسة كتابه المجيد.
هذا ولا يمكن للراغب في دراسة فن من الفنون أن يحصِّلٌ فيه تحصيلاً معتبراً إلا بمعرفة قواعده، والأصول التي تبنى عليها مسائله، وقد حرص أهل الشأن على الحيلولة دون العبث بتفسير النص، فعمدوا بعد استقراء وجمع إلى استنباط مجموعة من القواعد التي تعين على التفسير السليم، ولتكون بمثابة الميزان الذي يعرف به التفسير المقبول من غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؟ وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد
_________
(١) سورة النساء، الآية (٨٢).


الصفحة التالية
Icon