وأنا أمك وأنا آمرك بهذا قال: مكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد فقام ابن لها، يقال له عمارة، فسقاها فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا...... ﴾ (١).
قال ابن عاشور موضحا حجة أصحاب هذا القول: ": "إذا درجنا على أن لقمان لم يكن نبيا مبلغاً عن الله، وإنما كان حكيماً مرشداً كان هذا الكلام اعتراضاً بين كلامي لقمان لأن صيغة هذا الكلام مصوغة على أسلوب الإبلاغ والحكاية لقول من أقوال الله. والضمائر ضمائر العظمة جرَّتْه مناسبة حكاية نهي لقمان لابنه عن الإشراك وتفظيعه بأنه ظلم عظيم. فذكر الله هذا لتأكيد ما في وصية لقمان من النهي عن الشرك بتعميم النهي في الأشخاص والأحوال؛ لئلا يتوهم متوهم أن النهي خاص بابن لقمان أو ببعض الأحوال، فحكى الله أن الله أوصى بذلك كل إنسان وأن لا هوادة فيه ولو في أحرج الأحوال وهي حال مجاهدة الوالدين أولادَهم على الإشراك. وأحسن من هذه المناسبة أن تجعل مناسبة هذا الكلام أنه لما حكى وصاية لقمان لابنه بما هو شكر الله بتنزيهه عن
_________
(١) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل سعد بن أبي وقاص، ج ٤، ص ١٨٧٧، ح - ١٧٤٨.