وهذا القول رجحه ابن كثير والقاسمي، قال القاسمي: "وهكذا رجح ابن كثير الوجه الثاني ذهابا إلى ما صح عن ابن عباس، ترجمان القرآن، ومن وافقه من الصحابة والتابعين، مع الأحاديث المرفوعة الصحاح والحسان وغيرهما، التي أوردوها، مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة، على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن. قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ أي بين واضح يراه كل أحد. وعلى ما فسر ابن مسعود رضي الله عنه، إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد. وهكذا قوله تعالى: ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ أي: يتغشّاهم ويعمهم. ولو كان أمراً خيالياً يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ " (١).
وذكر الرازي وجوهاً احتج بها القائلون بهذا القول وهي:
الأول: أن قوله: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ يقتضي وجود دخان تأتي به السماء وما ذكرتموه من الظلمة الحاصلة في العين بسبب شدة الجوع فذاك ليس بدخان أتت به السماء فكان حمل لفظ الآية على هذا الوجه عدولاً عن الظاهر لا لدليل منفصل، وإنه لا يجوز.
الثاني: أنه وصف ذلك الدخان بكونه مبيناً، والحالة التي ذكرتموها ليست كذلك لأنها عارضة تعرض لبعض الناس في أدمغتهم، ومثل هذا لا يوصف بكونها دخاناً مبيناً.
_________
(١) محاسن التأويل / القاسمي، ج ٨، ص ٣٠٢.