وقال ابن عاشور: "فالوجه أن المراد أن بعض المشركين نسبوا لله البنين وهم الذين تلقنوا شيئا من المجوسية؛ لأنهم لما جعلوا الشيطان متولدا عن الله تعالى، إذ قالوا إن الله لما خلق العالم تفكر في مملكته واستعظمها فحصل له عجب تولد عنه الشيطان وربما قالوا أيضا: إن الله شك في قدرة نفسه فتولد من شكه الشيطان، فقد لزمهم أن الشيطان متولد عن الله - تعالى عما يقولون - فلزمهم نسبة الابن إلى الله تعالى ولعل بعضهم كان يقول بأن الجن أبناء الله والملائكة بنات الله أو أن في الملائكة ذكورا وإناثا " (١).
وابن عاشور في ترجيحه لهذا القول بالرغم من أن معظم المفسرين الذين سبقوه ذهبوا إلى القول الآخر يؤكد لنا مدى اهتمامه بهذه القاعدة الترجيحية حيث إن الآية في أولها تتحدث عن مشركي العرب، ولا حجة توجب صرف الآية إلى اليهود والنصارى، ولذلك مال إلى هذا القول.
ومن الأمور التي دعت ابن عاشور إلى اختيار هذا القول: أن أول الآية يخاطب مشركي العرب، قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ﴾ والمعنى كما ذكر ابن عاشور وغيره من المفسرين أن هذه الآية: " عطف على الجمل قبله عطف القصّة على القصّة، فالضّمير المرفوع في ﴿وَجَعَلُوا﴾ عائد إلى ﴿قَوْمُكَ﴾ من قوله تعالى: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ﴾ (٢) وهذا انتقال إلى ذكر شِرك آخر من شرك العرب وهو جعلهم الجِنّ شركاءَ لله في عبادتهم كما
_________
(١) التحرير والتنوير / ابن عاشور، ج ٤، ص ٤٠٧.
(٢) سورة الأنعام، الآية (٦٦).