ووأد البنات. وتعقب بأن الواقع في حيز الشرط في مثل هذا المقام لا بد أن تكون محذوريته باعتبار ما يتبعه من المفاسد لا باعتبار ذاته، ولاريب في أن الإعراض عن الإسلام رأس كل شر وفساد فحقه أن يجعل عمدة في التوبيخ لا وسيلة للتوبيخ بما دونه من المفاسد (١).
حجة أصحاب القول الثالث الذين يرون أن توليتم بمعنى التولي عن القتال:
قال ابن كثير: " ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي عن الجهاد ونكلتم عنه ﴿أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾، أي تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء تسفكون الدماء، وتقطعون الأرحام " (٢).
وقال ابن عاشور: " مقتضى تناسق النظم أن هذا مفرع على قوله: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ (٣) لأنه يفهم منه أنه إذا عزم الأمر تولوا عن القتال وانكشف نفاقهم فتكون إتماماً لما في الآية السابقة من الإنباء بما سيكون من المنافقين يوم أُحُد. وقد قال عبد الله بن أبي: عَلاَم نقتل أنفسنا ها هنا؟ وربما قال في كلامه: وكيف نقاتل قريشاً وهم من قومنا، وكان لا يرى على أهل يثرب أن يقاتلوا مع النبي - ﷺ - ويرى الاقتصار على أنهم آووه.
_________
(١) انظر المحرر الوجيز / ابن عطية، ج ٥، ص ١١٨، وروح المعاني / الألوسي، ج ١٣، ص ٢٢٤.
(٢) تفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج ١٣، ص ٧٤.
(٣) سورة محمد، الآية (٢١).