حجة من قال: إن المراد بالتهلكة الاشتغال عن الجهاد وعن الإنفاق فيه بإصلاح أموالهم:
استدلوا بما رواه الترمذي عن أسلم أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم (القسطنطينية) فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم فحمل رجل من المسلمين على صف للروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس إنكم تتأوّلون هذه الآية هذا التأويل وإنما أنزلت فينا معاشر الأنصار لما أعزّ الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله: إن أموالنا قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه يرد علينا ما قلنا ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو" (١).
وهناك قول آخر في معنى التهلكة لم يذكره ابن عاشور وهو أن المراد بالآية: أي لا تيأسوا من المغفرة عند ارتكاب المعاصي فلا تتوبوا:
استدلوا بقول عبيدة السلماني يقول: هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم ويلقي بيده إلى التهلكة، ويقول لا توبة له يعني قوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ
_________
(١) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن البقرة، ج ٥، ص ٢١٢، ح- ٢٩٧٢.