ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها " وعاب ابن عاشور على الطبري طعنه في هذا التأويل بأن جواب لولا لا يتقدم عليها وذكر قول أبي عبيدة ومن قوله: " ويدفع هذا الطعن أن أبا عبيدة لما قال ذلك علمنا أنه لا يرى منع تقديم جواب (لولا)، على أنه قد يجعل المذكور قبل (لولا) دليلاً للجواب والجواب محذوفاً لدلالة ما قبل (لولا) عليه. ولا مفرّ من ذلك على كل تقدير فإن (لولا) وشرطها تقييد لقوله: (وهمّ بها) على جميع التأويلات، فما يقدّر من الجواب يقدّر على جميع التأويلات " (١)..
٤ - حرص ابن عاشور على الترجيح بين أقوال المفسرين، كما أنه لا يكتفي بالترجيح فقط، وإنما يذكر سبب الترجيح، فعلى سبيل المثال عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ (٢). ذكر خلاف المفسرين وترددهم في المراد من التفث من قوله ﴿تَفَثَهُمْ﴾ وبعد أن ساق أقوال المفسرين رجّح ما يراه راجحاً، وذكر أن ذلك يؤيده ما جاء في السنة.
وهذا قوله: " وعندي: أن فعل (ليقضوا) ينادي على أن التفث عمل من أعمال الحج، وليس وسَخاً ولا ظفراً ولا شعراً. ويؤيده ما روي عن ابن عمر وابن عباس آنفاً. وأن موقع (ثمّ) في عطف جملة الأمر على ما قبلها ينادي على معنى التراخي الرتبي فيقتضي أنّ المعطوف بـ (ثمّ) أهم مما ذكر قبلها فإن أعمال
_________
(١) التحرير والتنوير، ج ٦، ص ٢٥٣.
(٢) سورة الحج، الآية (٢٩).


الصفحة التالية
Icon