وقرأ الحسن البصري: (الحمد لله) بكسر الدال لإتباعها اللام، وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: (الحمد لله) بضم اللام لإتباعها الدال، والذي جسرهما على ذلك- والإتباع إنما يكون في كلمة واحدة؛ كقولهم: منحدر الجبل ومغيره- تنزل الكلمتين منزلة كلمة واحدة لكثرة استعمالهما مقترنتين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يكون العموم في الحمد ثابتاً، وبيانه: أن الشكر يقتضي المُنْعِمَ والمُنْعَمِ عليه والنعمة. والمُنْعِمُ: هو الله، وخص اسمه المقدس لكونه جامعاً لمعاني الأسماء الحسنى ما عُلم وما لم يُعلم كما سبق. والمُنْعَمُ عليهم: العالمون، وهو قد اشتمل على كل جنس مما سمي به كما سنفسره. وموجب النعم: الرحمن الرحيم، وهو قد استوعب جميع النعم كما مر؛ فإذن ما الذي يستدعي تخصيص الحمد بالبعض سوى التحكم والتوهم عفا الله عنه؟ ! ولله در القائل: "قولك: زيد حسن الوجه وصف لزيد، وحمد لبارئه؛ إذ كل حسن صنيع جمال فطرته، وكل محسن رضيع لبان نعمته"! وهذا الكلام جدير أن ينمق على صفحات عين إنسان المعاني، ولا غرو في ذلك؛ لأنه من إنسان العين في المعاني.
وفي "اللطائف القشيرية": واللام في الحمد للجنس، ومقتضاها الاستغراق بجميع المحامد لله تعالى: إما وصفاً، وإما خلقاً؛ فله الحمد لظهور سلطانه، وله الشكر لوفور إحسانه. ومن أراد الإطناب في الباب فعليه بتفسير الإمام في الأنعام، (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب: ٤].
قوله: (والذي جسرهما)، الأساس: تجاسرت على كذا: تجرأت عليه. هذا الكلام يشعر أن قراءتهما مبنية على القياس دون السماع، وهذا جسارة عظيمة. والمصنف كثيراً يذهب إلى مثل هذا المحذور؛ ألا ترى إلى قوله في "الأنعام": والذي حمل ابن عامر على قراءة (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ) [الأنعام: ١٣٧] أن رأى في بعض المصاحف "شركائهم" مكتوباً بالياء؟ !


الصفحة التالية
Icon