وروي أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالليل حتى اسمغدَّتْ قدماه، فقال له جبريل عليه السلام: أبق على نفسك فإن لها عليك حقا. أى: ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة، وكل واحد من (لِتَشْقى) و (تَذْكِرَةً) علة للفعل، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية، والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط. فإن قلت: أما يجوز أن تقول: ما أنزلنا عليك القرآن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حُرم فهو الشقي الخائب الخاسر، وإذا جُعل قسماً، و (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) المُقسم عليه، دال أيضاً على شرفه، كقوله:
وثناياك إنها إغريض
من كون القسم والمقسم عيه من وادٍ واحد، فقوله: طوما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها" إشارةٌ إلى معنى التعريض.
قوله: (حتى اسمغدت قدماه)، النهاية: وفي الحديث: أنه صلى حتى اسمغدت رجلاه، أي: تورمتا وانتفختا، واسمغد الجُرحُ: إذا ورم.
قوله: (لتنهك نفسك)، الجوهري: نهكته الحمى: إذا جهدته وأضنته، وفدحه الدين: أثقله، وأمرٌ فادح: إذا عاله وبهظه.
قوله: (لاستجماعه الشرائط)، "الشرائط"، بالرفع في بعض النسخ، وفي الحاشية عن المصنف: "لاستجماع الشرائط بغيرها"، هذا هو الصحيح، لما ذكر صاحب "المُغرب": استجمع السيلُ: اجتمع من كل موضع، واستجمعت للمرء أموره: اجتمع له ما يحبه، وهو لازمٌ كما ترى. وقولهم: استجمع الفرس جرياً: نصبٌ على التمييز، وأما قول الفقهاء مستجمعاً شرائط الجمعة، فليس يثبت. وأما قول الأبيودري:


الصفحة التالية
Icon