وتكاليف النبوّة، وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون (تذكرة) حالا ومفعولا له (لِمَنْ يَخْشى) لمن يؤول أمره إلى الخشية، ولمن يعلم الله منه أنه يبدل بالكفر إيمانا وبالقسوة خشية. في نصب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب في حالٍ من الأحوال إلا في حال التذكرة، وإما على تقدير أن يكون مفعولاً له، فيكونُ التقدير ما أنزلنا هذا القرآن المتعب لأمر من الأمور إلا تذكرة. وقال صاحب "الانتصاف": في هذا الوجه بُعدٌ؛ لأنه حينئذ يكون الشقاء سبب النزول، وما جرت به عادة الله مع نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نهاه عن الشقاء وضيق الصدر. قال تعالى: (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) [الأعراف: ٢]، (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) [الشعراء: ٣].
وقلتُ: ما ذكره ليس بشيء؛ لأن المراد بالشقاء التعبُ، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) [المزمل: ٥]، حيثُ فسره المصنف بقوله: إن المعنى بالقول الثقيل القرآنُ، وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليفُ شاقةٌ ثقيلة، لا سيما عليه صلوات الله عليه؛ لأنه متحملها بنفسه، فهي أثقلُ عليه. والمعنى على هذا التفسير: ما أنزلنا عليك القرآن المتعب إلا ليكون تذكرة، لا لأن تحملَ على نفسك قيام الليل وتُذيقها المشقة، فحسبك منه ما تلقاه من متاعب ومشاق مقاولة الأعداء. ومعنى قوله تعالى: (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) [الأعراف: ٢] لا تخف تكذيب القوم وإعراضهم، ولا يضق صدرك من الأذى، فنهاه عن مبالاتهم، وهو صريحٌ في تلقي المكاره وتحمل المتاعب. وقوله تعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) [الشعراء: ٣] معناه: لا تتساقط عليهم حسراتٍ إن لم يؤمنوا بهذا الحديث، ودُم على التبليغ ولا تتهاون. وتلخيص ذلك أن الشفاء الذي نهاه عنه غيرُ الشقاء الذي هو سبب النزول، وهو الذي نحن بصدده.
قوله: (لمن يؤول أمره إلى الخشية)، هذا لأن القرآن تذكيرٌ للناس كلهم الخاشي وغير الخاشي، خص الخاشي لأنه المنتفع به.
قوله: (ولمن يعلمُ الله)، عطفٌ تفسيريٌّ لقوله: "لمن يؤولُ أمره".