ذلك المعنى ومساواته "ملك" في مُؤدّاه، وإن كان أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر. ونحوه قولك: يد فلان مبسوطة، ويد فلان مغلولة، بمعنى أنه جواد أو بخيل، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت، حتى أنّ من لم يبسط يده قط بالنوال أو لم تكن له يد رأسا قيل فيه يده مبسوطة لمساواته عندهم قولهم: هو جواد. ومنه قول الله عز وجل: (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة: ٦٤]. أى: هو بخيل، (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة: ٦٤]، أى: هو جواد، من غير تصوّر يد ولا غل ولا بسط، والتفسير بالنعمة والتمحل للتثنية من ضيق العطن والمسافرة عن علم البيان مسيرة أعوام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ومُساواته"، يعني: أنهم يكنون بقوله: استوى فلانٌ على العرش، عن: ملك، سواءٌ قعد على السرير أو لم يقعد؛ لأن اللازم مساوٍ في تأدية المعنى، كما يقال: يدُ فلانٍ مبسوطةٌ ويد فلان ٍمغلولةٌ بمعنى أنه جوادٌ أو بخيلٌ، حتى إن لم يكن له يدٌ رأساً قيل هذا الكلام في حقه.
قوله: (وإن كان أشرح)، اسم "كان": ضميرٌ يرجعُ إلى قولهم: استوى فلانٌ على العرش، لا إلى: ملك، كما ظُن: فالمعنى: قالوا: استوى فلانٌ على العرش، يريد: ملك، سواءٌ قعد على السرير أو لم يقعد؛ لمساواة هذا اللفظ "ملك" في تأدية المقصود، وإن كان هذا اللفظ أبسط من "مَلكَ" وأبلغ منه، كما عُلم في البيان أن الكناية أوقع من الإفصاح بالذكر؛ لأنك مع الكناية كمُدعي الشيء بالبينة، ولأنه لا يقال: فلانٌ استوى على العرش إلا بعد تمكنه على الملك استقراره له، بخلاف ما إذا قيل: ملك، ولأن في تلك العبارة تصويراً لصورة العرش في الذهن، وتخييلاً لحالة الاستواء عليه، ويلزمه لمزيد المعنى الآخر لا عكسه، فيكونُ أبسط وأدل.
قوله: (والتمحل للتثنية من ضيق العطن)، يريدُ أن قولهم: إن معنى اليد: النعمة، فمعنى (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة: ٦٤]: نعمةُ الله مقبوضةٌ، ومعنى (يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ): نعمته في الدنيا ونعمته في الآخرة. نقله الواحدي عن بعضهم.
قوله: (من ضيق العطن)، أي: من ضيق مجاله في المعاني والبيان، الأساس: ضرب القومُ


الصفحة التالية
Icon