فإما أن يكون نهيا عن الجهر كقوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) [الأعراف: ٢٠٥]، وإما تعليماً للعباد أنّ الجهر ليس لإسماع الله وإنما هو لغرض آخر، (الْحُسْنى) تأنيث الأحسن، وصفت بها الأسماء لأنّ حكمها حكم المؤنث كقولك: الجماعة الحسنى، ومثلها (مَآرِبُ أُخْرى) [طه: ١٨]، و (مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) [طه: ٢٣].
والذي فضلت به أسماؤه في الحسن سائر الأسماء: دلالتها على معاني التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية، والأفعال التي هي النهاية في الحسن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واعلم أن هذه المعاني المذكورة مستنبطةٌ من الآية باستعانة إشارة النص. وأما عبارتُه فلإثبات علمه الشامل للكائنات من جزئياتها وكلياتها وما يتصل بها من باطن أحوالها وظاهرها؛ لأن قوله تعالى: (خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلا) بيان لكمال الخالقية، وقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) إيماءٌ على التدبر التام، وقوله: (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) [البقرة: ٢٥٥]، إشارةٌ إلى المالكية العامة، فيكون قوله: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) [طه: ٧]، إثباتٌ للعالمية، فالمعنى: تنبه أيها السامعُ على أن علمه محيطٌ بكل شيء وإن أردت أن تجهر بالقول وتخفي في نفسك خلافه فاعلم أنه يعلمُ المضمر وأخفى منه مما ستسره فيها، وهو في المبالغة في جانب العلم مثل (وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) في جانب المُلك فينطبق على هذا التأويل مجيء اسمه المقدس الجامع لأجل ترتب الحكم بالتوحيد عليه وإرداف قوله: (لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، به على التتميم.
قوله: (سائر الأسماء)، الجوهري: سائر الناس: جميعهم، وذكره في السين مع الياء، وقال ابن الأثير في "النهاية": السائر مهموزٌ، ومعناه: الباقي، والناسُ يستعملونه في معنى الجميع، وليس بصحيح. وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث، وكلها بمعنى باقي الشيء، ومنه: فضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" أي: باقيه، وفي "المُغرب": الأسارُ: جمعٌ على أفعالٍ، جمع سؤر، هو بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء، ثم استعير