في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به، قال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [النور: ٣٧]، أو لأوقات ذكرى وهي مواقيت الصلاة، كقوله تعالى: (فَإِذاَ قَضَيْتُمُ الصَلاَةَ فَاذكُرُوا اللهَ قِيَاماً وقُعُوداً) [النساء: ١٠٣]، واللامُ مثلُها في قولك: جئتك لوقت كذا، وكان ذلك لست ليال خلون. وقوله تعالى: (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) [الفجر: ٢٤]، وقَدْ حُملَ على ذكر الصلاةِ بعد نسيانها من قوله عليه السلام «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) [طه: ١٥]. وقال الإمام: قوله: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) تخليةٌ. والثلاثة الأخرى تحلية، فقوله: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا) إشارةٌ إلى علم المبدأ، وقوله: (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) علمُ الوسط، وهو مشتملٌ على العمل بالجارح وبالقلب، (فَاعْبُدْنِي): إشارةٌ إلى الأول، (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي): إلى الثاني، وقوله: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) علمُ المعاد.
وقلتُ: إذا تقرر هذا المعنى انخرط فيه معنى قول سيد المرسلين: "من نسي صلاة فليقضها إذا ذكرها"، روينا عن مالك ومسلم والترمذي وأبي داود، وغيرهم، عن أبي هريرة، في حديث طويل: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه سلم-أي: صلاة الصبح حين نام عنها- قال: "من نسي صلاةً فليقضها إذا ذكرها"، فإن الله تعالى قال: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) لأن الحكمة في وضع إقامة الصلاة كما سبق تذكر المعبود فيها، وأنها مكانهُ ومحله، فإذا ذكرت الصلاة بادرت الحكمة في شرعيتها في الذهن، فتكون الحكمة حاملة للمكلف على إقامتها، فصح أن يكون وجود ذكر الله سبباً لإقامة الصلاة، فالعدول عن هذا التأويل إلى الوجوه التي ذكرها المصنف في تأويل الحديث، وجعلُها متمحلة تعسفٌ وتمحل.
قوله: (وكان ذلك لست ليالٍ خلون)، قال الحريري في "دُرة الغواص": والاختيارُ أن يقال من أول الشهر إلى منتصفه: خلت وخلون، وإن يُستعمل في النصف الثاني بقيت


الصفحة التالية
Icon