التي علقها بالعصا ويستكثرها ويستعظمها، ثم يريه على عقب ذلك الآية العظيمة، كأنه يقول له: أين أنت عن هذه المنفعة العظمى والمأربة الكبرى المنسية عندها كل منفعة ومأربة كنت تعتدّ بها وتحتفل بشأنها، وقالوا: إنما سأله ليبسط منه ويقلل هيبته. وقالوا: إنما أجمل موسى ليسأله عن تلك المآرب فيزيد في إكرامه، وقالوا: انقطع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعلى الأول: التعداد لأجل تحقير شأنها، والمراد بقوله: (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) التتميم للتحقير، أي: مآرب معدودة، وعلى الثاني: التعداد لأجل التعظيم، و (مَآرِبُ أُخْرَى): تتميم للتفخيم، أي: لا تُحصى ولا تُعد، ولعل هذا الوجه أحسن الوجوه، ولذلك نبهه في النداء بقوله: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى)، أي: تفطن لها؛ لأنها مما اشتملت على مرافق عجيبةٍ وآياتٍ عظيمة، ومن ثم أجاب موسى بما عرفه منها من المنافع والمآرب ثم نبهه تعالى على منفعة أعظم منها بقوله: (أَلْقِهَا يَا مُوسَى)، فكرر النداء اهتماماً بشأنها، وإليه الإشارة بقوله: "أين أنت عن هذه المنفعة العظمى؟ " إلى آخره، فإجراء هذه الصفات على العصا كإجراء النعوت المادحة نداء على الجميل وإبداء للصنيع الذي يستزيد مواجب الشكر، لا للتفصلة والتمييز، كما ظن بعضهم، وأورد على صاحب "المفتاح" ما أورد، وقد بسطناه في "شرح التبيان"، فلينظر هناك. ومما يشد من عضد ما ذكرنا من أن المقام مقام الامتنان على موسى قوله تعالى: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى) [طه: ٣٧] إلى آخره.
قوله: (ليبسط منه)، الأساس: وقد بسط بساطه، وبسط إلينا يده ولسانه: أتى بما يُحب أو بما يُكره، وإنه ليبسطني ما بسطك، ويقبضني ما قبضك، أي: يسرني ويطيب نفسي ما سرك، ويسوؤني ما ساءك، كأن الإنسان إذا سُرَّ انبسط وجهه واستبشر، وبعكسه إذا اغتم.
الجوهري: الانبساطُ: ترك الاحتشام، يقال: بسطت من فلانٍ فانبسط.
قوله: (إنما أجمل موسى ليسأله عن تلك المآرب فيزيد في إكرامه)، ونحوه قول بعضهم: