كما يراعي الرجل الشيء بعينيه إذا اعتنى به، وتقول للصانع: اصنع هذا على عينى أنظر إليك لئلا تخالف به عن مرادى وبغيتي. (ولتصنع): معطوف على علة مضمرة، مثل: ليتعطف عليك وترأم «١» ونحوه. أو حذف معلله، أي: ولتصنع فعلت ذلك. وقرئ: (ولتصنع) ولتصنع، بكسر اللام وسكونها. والجزم على أنه أمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما يراعي الرجل الشيء بعينيه: إذا اعتنى به)، إشارةٌ إلى أن في التركيب تمثيلاً واستعارة، قال الواحدي: وتفسير قوله: (عَلَى عَيْنِي): بمرأى مني صحيح، ولكن لا يكون في هذا تخصيصٌ لموسى، فإن جميع الأشياء بمرأى من الله. الصحيح: لتُغذى على محبتي وإرادتي. وهذا قول قتادة اختيار أبي عبيدة وابن الأنباري، وقال أبو زيد: العرب تقول: اتخذ شيئاً على عيني: على محبتي.
وقلت: هذا الاختصاص للتشريف كاختصاص عيسى عليه السلام بكلمة الله، والكعبة ببيت الله، فإن الكل موجودٌ بـ "كُن"، وكل البيوت بيت الله، على أن خلاصة الكلام وزبدته تفيد مزيد الاعتناء بشأنه، وأنه من الملحوظين بسوابق إنعامه.
قوله: (وترأم)، الجوهري: رئمت الناقة ولدها رئماناً: إذا أحبته.
قوله: ((وَلِتُصْنَعَ) بكسر اللام وسكونها) قال ابن جني: وهي قراءة أبي جعفر، وليس دخول لام الأمر هنا كدخولها في قوله: (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس: ٥٨] بالتاء؛ لأن المأمور في (فَلْيَفْرَحُوا) مخاطبٌ، وهاهنا غائبٌ، وهو كقولنا: ولتعن بحاجتي ولتوضع في تجارتك؛ لأن المعاني بها، والواضع فيها غير المخاطبين، نحو: ليضرب زيدٌ ولتكرم هندٌ، فأما قول الرجل: خُذ طرفك لآخذ طرفين وقولهم: لنمش كلنا، وإنما جاء باللام ولم يخفف تخفيف "قُم" و"سِرْ" ونحوهما؛ لأنه لم يكثر أمرُ الإنسان لنفسه كرة أمره لغيره، فلما قل استعماله لم يخفف.


الصفحة التالية
Icon