أي قائلين: (كُلُوا وَارْعَوْا) حال من الضمير في (فَأَخْرَجْنا) المعنى: أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها.
(مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) [طه: ٥٥].
أراد بخلقهم من الأرض خلق أصلهم هو آدم عليه السلام منها. وقيل إن الملك لينطلق فيأخذ من تربة المكان الذي يدفن فيه فيبدّدها على النطفة فيخلق من التراب والنطفة معا. وأراد بإخراجهم منها أنه يؤلف أجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب، ويردّهم كما كانوا أحياء، ويخرجهم إلى المحشر (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً)] المعارج: ٤٣ [، عدّد الله عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم، حيث جعلها لهم فراشا ومهادا يتقلبون عليها، وسوّى لهم فيها مسالك يتردّدون فيها كيف شاءوا، وأنبت فيها أصناف النبات التي منها أقواتهم وعلوفات بهائمهم، وهي أصلهم الذي منه تفرعوا، وأمهم التي منها ولدوا، ثم هي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (عدد الله عليهم ما علق بالأرض)، بيانٌ للنظم وأن الآية كالتتميم للآية الأولى، والتكميل للمنافع المنوطة بالأرض، دلت الأولى على بيان مرافقهم وأصناف انتفاعهم، وهذه على أنها أصلهم وفيها تقلبهم حياً وميتاً، فكانت كالأم البارة بولدها في جميع ما يفتقر إليه، ومن ثم استشهد بقوله: "تمسحوا بالأرض فإنها أم بارة".
النهاية: أراد به التيمم، وقيل: أراد به مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل، وهذا أمر تأديب واستحباب لا وجوب، فإنها أم برةٌ، أي: مُشفقة كالوالدة بأولادها، يعني أن منها خلقكم ومنها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم.