قال الله تعالى (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً)] آل عمران: ١٨٦ [فلا يكاذبونهم فيما هم فيه ردء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَاكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) [الأنبياء: ٨].
(لا يَاكُلُونَ الطَّعامَ) صفة ل (جَسَدَاً)، والمعنى: وما جعلنا الأنبياء عليهم السلام قبله ذوى جسد غير طاعمين. ووحد الجسد لإرادة الجنس، كأنه قال: ذوى ضرب من الأجساد. وهذا ردّ لقولهم (مالِ هذَا الرَّسُولِ يَاكُلُ الطَّعامَ) [الفرقان: ٧].
فإن قلت: نعم قد ردّ إنكارهم أن يكون الرسول بشرا يأكل ويشرب بما ذكرت. فماذا ردّ من قولهم بقوله (وَما كانُوا خالِدِينَ)؟ قلت: يحتمل أن يقولوا إنه بشر مثلنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً) [آل عمران: ١٨٦]) استشهدبها على اتفاق كلمتهم على أذى رسول الله ﷺ حيث عطف (من الَّذِينَ أَشْرَكُوا) على (مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) ونبه بصلة الموصول على علة الأذى.
قوله: (ردءٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: عونٌ له، أي: لا يكاذبُ أهلُ الكتاب المشركين، أي: لا يكذبُ في الذي هم [فيه] عونٌ لرسول الله ﷺ من أن الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا ملائكة، يعني: كانوا متفقين مع رسول الله ﷺ في هذه المسألة، وكيف لا وفي مخالفتها إبطالُ دينهم؟ وقيل [قوله]: "لرسول الله" متعلقٌ بـ"فلا يكاذبونهم"، أي: لأجل الرسول، وفيه نظرٌ؛ لبقاء "ردءٌ" لا متعلق له، وأن المعنى لا يساعد عليه.
قوله: (ذوى ضربٍ من الأجساد)، أي: نوع منها. قال أولاً: لإرادة الجنس، وفسره بالنوع لأن الجسد جنسٌ تحته نوعان من الحيوان والجماد، فالحيوانُ الجنسُ السافل.
قوله: (يحتمل أن يقولوا: إنهُ بشرٌ)، أجاب أن قوله: (وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ) ردٌّ لما لزم من


الصفحة التالية
Icon