ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علماء الأصول ومعتني علم البيان أن حمل اللفظ على المجاز والعدول عن الحقيقة من غير صارفٍ وداعٍ قوي غير جائز، لا سيما إذا انضم معه قرينة إرادة الحقيقة، هو مقتضى المقام؛ وذلك أن مجيء قوله: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) عقيب قوله: (وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) من باب وضع المُظهر موضع المضمر من غير لفظه السابق؛ لأن اللهو: ما يُتلهى به ويُلعب، وليس في الكلام السابق رائحةٌ من معنى الولد والمرأة، فلا يُحمل الآتي إلا على ظاهره. وسيجيء الكلام في الولد في مشرع آخر، ولأن قوله تعالى: (إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) على الشرط، أظهرُ من النفي، والذوقُ له أدعى، ولأن تفسير اللهو بالولد والمرأة يخرجُ الكلام عن سنن النظام.
قال الإمامُ: الغرضُ من سوق هذه الآيات تقريرُ نبوة محمدٍ صلوات الله عليه، والرد على منكريه؛ لأنه تعالى أظهر المعجزة عليه، ولو كان غير صادق كان إظهار المعجزة عليه من باب العبث، وإن كان صادقاً يفسدُ ما ذكروه من المطاعن.
وقلتُ: تحريرُ النظم: أنهذه السورة من مفتتحها واردةٌ في أمر النبوة وما يتصل بها، ومن ثم سميت بسورة الأنبياء، ألا ترى كيف بدأ بقوله: (مَا يَاتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ)، وثنى بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) ثم ثلث بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [الأنبياء: ١٠] فوبخهم وسفههم وسجل بحرمان عقلهم حيث دفعوا ما فيه شرفهم وعزهم، ثم ربع بقوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) [الأنبياء: ١٦] ليُنبههم عن رقدةِ الجهالة، وأنهم في ارتكابهم العناد كمن يحاول في إبطال الحكمة في خلق السماء والأرض، وهي العبادةُ والمعرفة، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: ٥٦]، وقال: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: ١٩١]. قال المصنف: "المعنى: ما خلقته خلقاً باطلاً، بل لداعي حكمةٍ عظيمة، وهو أن يجعلها مساكن المكلفين، وأدلةً لهم على معرفتك،


الصفحة التالية
Icon