عنهم أدنى الحسور؟. قلت في الاستحسار بيان أنّ ما هم فيه يوجب غاية الحسور وأقصاه، وأنهم أحقاء لتلك العبادات الباهظة بأن يستحسروا فيما يفعلون. أى، تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم، لا يتخلله فترة بفراغ أو شغل آخر.
(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) [الأنبياء: ٢١].
هذه "أم" المنقطعة الكائنة بمعنى "بل" والهمزة، قد آذنت بالإضراب عما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[فصلت: ٤٦] في أحد وجهيه، وهو أن الذنب في العظم بحيثُ من نظر إلى العذاب العظيم علم أن الذنب ما هو؛ لأن عظم العقوبة بحسب عظم الجناية، وفيه أنهم أحقاءُ لتلك العبادات الباهظة لأن اختصاصهم بنعمٍ لم ينعم بها على غيرهم يوجبُ ذلك، وفيه رائحةٌ من الاعتزال.
قوله: (الباهظة) أي: المثقلة، يقال: بهظه الحملُ: أثقله.
قوله: (أي: تسبيحهم متصل دائم)، تفسيرٌ لقوله (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) ويجوز أن يكون ذلك بياناً للجملة الأولى، قال الزجاج: (لا يَفْتُرُونَ): لا يشغلهم عن التسبيح رسالةٌ، ومجرى التسبيح منهم كمجرى النفس منا، لا يشغلنا عن النفس شيءٌ، كذلك تسبيحهم دائم.
قوله: (قد آذنت) أي: دل تضمنُ "أمْ" معنى "بَل" على الإضراب عما سبق، كما أعلم تضمنها معنى الهمزة بالإنكار لما بعدها. وأما الإضراب فهو أن الكلام السابق واردٌ في شان طعنهم في النبوات، وما يتصلُ بها على ما سبق، أي: دع هذا النوع من الكلام، وافتح مشرعاً آخر، وهذا دل على أن الأوجه لتفسير اللهو بالولد لما يتلوه من قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً).


الصفحة التالية
Icon