ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من قبيل: أنا عرفتُ وهو عرفَ، في إفادة معنى التخصيص، ثم الذي عليه السياق الدلالة على قوة أمرهم فيما أُسند إليهم، لا الاختصاص كما سبق. وليتصل دليلُ التمانع به، أي اتخذوه إلها لا يصح أن يُطلق عليه ما يتم به أمر الإلهية، ويسند إليه ذلك على الحقيقة، ثم قيل: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، يعني: لو فُرض ذلك وقُدر كما يُقدرُ المحالاتُ لانقلبت تلك الفائدة- التي ذكرناها في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ)؛ لأن ضمير التثنية عائدٌ ليهما- مفسدةً، وذهب كل غله بما خلق. والفائدة أن جعلها مساكن المكلفين، وأدلةً على المعرفة، وجوب الطاعة، والاحتراز عن المعصية؛ ليجزيهم بالثواب والعقاب، قال الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ) [الزمر: ٢٩]، وإليه أشار المصنفُ بقوله: "لعلمنا أن الرعية تفسد بتدبير الملكين" إلى قوله: "وهذا ظاهرٌ"، ولاحتمال الغير قال: "وأما طريقةُ التمانع فللمتكلمين فيها تجاول"، أي: ليس من اقتضاء المقام.
ثم فرع على بيان التوحيد قوله تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) كما فرعَ فيما سبق على النبوة قوله: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا)؛ ولذلك فسره بقوله: "سبحاننا أن نتخذ الله واللعب".
ثم المطلوبُ في التنزيه إما تنزيهُ ذاته عن جميع ما ينسبُ غليه أهلُ الشرك، فهو المراد من قوله: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ) وإما تنزيه ذاته عن جميع ما يتوهمه المتوهمون من نسبة القبائح إليه قياساً على المشاهد، فهو المراد من قوله: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) يدل عليه قوله: "عادةُ الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم"، يعني: لا يجو أن تُسأل الملوك ما يجوز ان يُسأل عنه غيرهم، ويرد عليهم تهيباً وجلالةً. وهذا المعنى مناسبٌ لقول