والثاني: أن لا يكون ذلك الواحد إلا إياه وحده، لقوله (إِلَّا اللَّهُ).
فإن قلت: لم وجب الأمران؟ قلت: لعلمنا أنّ الرعية تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف. وعن عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واستشهدنا بقوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ) [الزمر: ٢٩] الآية. ولكونه بُرهاناً على تلك الدعوى، ورداً على المشركين جمع الآلهة ولم يقل: لو كان فيهما إلهٌ، ولزم من إشارة النص على طريقة الإدماج المشار إليه بقوله: "وفيه دلالةٌ على أمرين" التوحيدُ؛ لان هذا الفساد كما يلزمُ من المجموع يلزمُ من الاثنين، ولذلك أورد السؤال: "لِم وجب الأمران وأجاب: "لعلمنا أن الرعية تفسدُ بتدبير الملكين"ن وأما لزوم التدبير من هذا التركيب فمن إيقاع (فِيهِمَا) ظرفاً لـ (آلِهَةً)، على منوال قوله: (هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ) [الزخرف: ٨٤]، وقوله: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ) [الأنعام: ٣]، ولأن اسمه الجامع حاملٌ للمعاني الإلهية كما نقل الأزهري عن أبي الهيثم: لا يكونُ إلها حتى يكون معبوداً، وحتى يكون لعباده خالقاً ورازقاً ومدبراً وعليه مقتدراً، فمن لم يكن كذلك فليس بإله.
قوله: (حين قُتِلَ عمرو بن سعيد)، وفي "التاريخ الكامل": هو عمرو بن سعيد بن أبي العاص بن أمية الأشدق. وأما عبد الملك فهو ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص. وكانت أمُّ عمرو أم البنين بنتُ الحكم عمة عبد الملك. وكان سبب قتله على ما رواه أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوريُّ في "الأخبار الطوال"، أن عبد الملك لما ملك خرج عليه عمرو بن سعيد، ثم اصطلحا على أن يكونا مشتركين في المُلك، وأن يكون اسم الخلافة لعبد الملك، وعمروٌ بعده يلي أمر الخلافة، وكتبا بذلك كتاباً وأشهدا أشراف أهل الشام عليه،


الصفحة التالية
Icon