ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبالعكس، فلو امتنعا معاً لوُجدا معاً، وذلك محالٌ، أو يقع مرادُ أحدهما دون الآخر، وذلك أيضاً محالٌ؛ لأنه إذا وقع مراد أحدهما دون الآخر، فالذي وقع مراده يكون قادرا، والآخر عاجزاً، والعجز نقصٌ، وهو على الله تعالى مُحال.
فإن قيل: الفسادُ إنما يلزمُ عند اختلافهما في الإرادة، وأنتم لا تدعون وجوب اختلافهما، بل أقصى ما تدعونه أنه ممكن، فكان الفسادُ ممكناً لا واقعاً، فكيف جزم الله تعالى بوقوع الفساد؟
قُلنا: الجواب من وجهين، أحدهما: لعله تعالى أجرى الممكن مُجرى الواقع بناءً على الظاهر، ولعل مراد المصنف من قوله: "وهذا ظاهرٌ" هذا. وثانيهما: أنا لو فرضنا إلهين لكان كل واحدٍ منهما قادرً على جميع المقدورات فيفضي إلى وقوع مقدور عن قادرين مستقلين من وجه واحد، وهو محالٌ؛ لأن إسناد الفعل إلى الفاعل إنما كان لإمكانه، فإذا كان كل واحدٍ منهما مستقلاً بالإيجاد فالفعلُ لكونه مع هذا يكون واجب الوقوع فيستحيلُ استناده إلى هذا، لكونه حاصلاً منهما جميعاً، فيلزم استغناؤه عنهما، احتياجه إليهما معاً. وهذه الحجةُ قائمةٌ في مسألة التوحيد، فثبت أن القول بوجود إلهين يُفضي إلى امتناع وقوع المقدور لواحدٍ منهما، فلا يقع البتة، فيلزمُ وقوعُ الفساد.
وقال صاحبُ "الانتصاف": دليلُ التمانع الذي يقتبس من نور هذه الآية أن يقال: لو فُرضَ وجودُ إلهين فإما أن يتم لكل واحدٍ منهما القدرة على ما يشاء، أو لا يتم لواحدٍ منهما، أو لأحدهما دون الآخر، وأدقُّ الأقسام إبطالا ًأن يكونا قادرين، فاقتصر في الكتاب العزيز عليه.