وقرئ (مَنْ مَعِيَ) و"مَنْ قَبْلِي" على "من" الإضافية في هذه القراءة. وإدخال الجار على «مع» غريب، والعذر فيه أنه اسم هو ظرف، نحو: قبل، وبعد، وعند، ولدن، وما أشبه ذلك، فدخل عليه «من» كما يدخل على أخواته. وقرئ: "ذكر معى وذكر قبلي". كأنه قيل: بل عندهم ما هو أصل الشرّ والفساد كله وهو الجهل وفقد العلم، وعدم التمييز بين الحق والباطل، فمن ثم جاء هذا الإعراض، ومن هناك ورد هذا الإنكار. وقرئ «الحق» بالرفع على توسيط التوكيد بين السبب والمسبب. والمعنى: أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (على "مِن" الإضافية)، قال ابن جني: "هذا ذكرٌ من معي وذكرٌ من قبلي" بالتنوين، وكسرُ الميم من "مِن" هي قراءة يحيى بن يعمُرَ وطلحة بن مُصرف. وهذا أحدُ ما يدل على أن "مع" اسمٌ. حكى صاحبُ "الكتاب" وأبو زيدٍ ذلك عنهم، يقولُ: جئتُ من معهم، أي: من عندهم، فكأنه قال: هذا ذكرُ من عندي ومن قبلي، أي: جئتُ أنا به كما جاء به الأنبياء من قبلي.
قوله: (وقرئ: "الحقُّ" بالرفع)، قال ابن جني: هي قراءة الحسن وابن محيصن. قال ابن جني وصاحب "المرشد": يجوز حينئذ الوقفُ على قوله: (لا يَعْلَمُونَ)، ويُبتدأ "الحق" بمعنى: هو الحقن والوقف التام عند قوله: (مُعْرِضُونَ).
وقُلتُ: فعلى هذا (لا يَعْلَمُونَ) مطلقٌ من قبيل: فلانٌ يعطي ويمنع؛ ولذلك عبر عنه بالجهل. وقوله: "وهو الحقُّ" معترضٌ بين السبب والمسبب لتأكيد هذا الحكم، فإذا وقف على (مُعْرِضُونَ) كان الوقفُ تاماً من حيث المعنى؛ لأن السبب والمسبب كالشيء الواحد. وإذا وقف على (لا يَعْلَمُونَ) كان جائزاً من حيث اللفظ، فقول المصنف: "أن إعراضهم بسبب الجهل"، كلامٌ تامٌ، وقوله: "هو الحقُّ" توكيدٌ له، فهو وزان قوله: هذا عبد الله الحق


الصفحة التالية
Icon