ذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية، فهم به كافرون لا يصدّقون به أصلا فهم أحق بأن يتخذوا هزؤا منك، فإنك محق وهم مبطلون. وقيل معنى (بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) قولهم: ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة، وقولهم (وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَامُرُنا)] الفرقان: ٦٠ [وقيل (بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) بما أنزل عليك من القرآن. والجملة في موضع الحال، أى: يتخذونك هزؤا، وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله.
(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الأنبياء: ٣٧ - ٣٨]
كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى العلم والإقرار (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) فأراد نهيهم عن الاستعجال وزجرهم، فقدم أو لا ذم الإنسان على إفراط العجلة، وأنه مطبوع عليها، ثم نهاهم وزجرهم، كأنه قال: ليس ببدع منكم أن تستعجلوا فإنكم مجبولون على ذلك وهو طبعكم وسجيتكم. وعن ابن عباس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يُقالُ اعتباراً بإحرازه، والذكرُ اعتباراً باستحضاره، وتارةً يقالُ لحضور الشيء بالقلب والقول، ولذلك قيل: الذكرُ ذكران: ذكرٌ بالقلب، وذكرٌ باللسان، وكل منهما ضربان: ذكرٌ عن نسيانٍ وذكرٌ لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقالُ له: ذكرٌ.
قوله: ((بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ): قولهم: ما نعرفُ الرحمن)، يعني: يرادُ بـ"الذكر": الاسمُ، أي: باسم الرحمن، أي: ما نعرفُ من يُسمى به سوى مُسيلمة.
قوله: (فإنكم مجبولون على ذلك، وهو طبعكم وسجيتكم)، قال القاضي: كأنه خُلق منه لفرط استعجاله، وقلة تأنيه، كقولك: زيدٌ من الكرم، جعل ما طُبع عليه منزلة المطبوع عنه مبالغةً في لزومه له. ومن عجلته: مبادرته إلى الكفر، واستعجاله الوعيد.