صفة، لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصوّروها بعقولهم، حتى يبقوا على أنفسهم ويرحموها من شدائد ذلك اليوم، بامتثال ما أمرهم به ربهم من التردي بلباس التقوى، الذي لا يؤمنهم من تلك الأفزاع إلا أن يتردوا به. وروى أنّ هاتين الآيتين نزلتا ليلا في غزوة بنى المصطلق، فقرأهما رسول الله ﷺ فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب، ولم يضربوا الخيام وقت النزول، ولم يطبخوا قدرا، وكانوا من بين حزين وباك ومفكر.
(يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: ٢].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يُبقوا على أنفسهم)، أي: يحفظونها. النهاية: يقالُ: أبقيتُ عليه إبقاءً: إذا رحمته وأشفقت عليه، والاسمُ: البُقيا.
قوله: (في غزوة بني المصطلق)، وهُم قومٌ من خُزاعة. قال الإمامُ محمد بن إسماعيل البخاري: هي غزوةُ المُريسيع. وقال ابن إسحاق: وذلك في سنةِ ستٍّ. روى البخاريُّ ومسلمٌ وأبو داود عن عبد الله بن عون: أغار رسول الله ﷺ على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامُهم تُسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية.


الصفحة التالية
Icon