ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) [المعارج: ٣٩] أي: من نُطفةِ مهين، ويعضده ما روى الواحديُّ عن صاحب النظم رحمة الله تعالى عليهما: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) أن البعث حق؛ لأن الآية نزلت دلالةً على البعث.
وقال الإمامُ: لنُبين لكم أن تغيير النطفة إلى العلقة، ثم إلى المُضغة المخلقة غير المخلقة، إنما هو من الفاعل المختار، أو المعنى: إن كنتم في ريب من البعث فإنا نُخبركم أنا خلقناكم من كذا وكذا لنبين لكم ما يزيل عنكم ذلك الريب، فإن القادر على هذه الأشياء كيف يكون عاجزاً عن الإعادة؟ وقال أيضاً: ثم نخرجكم ثم نسهل في تربيتكم وأغذيتكم أموراً لتبلغوا أشدكم، فنبه بذلك على الأحوال التي بين خروج الطفل من بطن أمه، وبين بلوغ الأشُد، ويكون بين الحالتين وسائط. أراد أن معلل (لِتَبْلُغُوا) محذوف، وهو عطفٌ على (نُخْرِجُكُمْ).
وقلتُ: ويمكنُ أن يُقال: إن التقدير: ثم لتبلغوا أشدكم، فعل ما فعل إرادةً للتخصيص، إيذاناً بأن بلوغ الأشد أفضل الأحوال، والإخراج أبدعُها، والرد إلى أرذل العمر أسوأها، فتغيير العبارة لذلك، ومن ثم نسب الإخراج إلى ذاته الأقدس، وحذف المعلل في الثاني، ولم ينسب الثالث إلى ذاته عز وجل، وسلب فيه ما أثبت للإنسان في تلك الحالة من اتصافه بالعلم والقدرة المومى إليه بالأشد، كأنه قيل: ثم نخرجكم من تلك الأطوار الخسيسة طفلاً، أي: إنشاءً بديعاً غريباً، ما قال: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: ١٤]، ثُم لتبلغوا أشدكم دبر ذلك التدبير العجيب، والإنشاء الغريب؛ لأنه أوانُ رسوخ العلم والمعرفة، والتمكن من العمل والطاعة، هو المقصود من الإنشاء بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: ٥٦]، ثم يميتكم، أو يردكم إلى أرذل العمر الذي يسلبُ به العلم والقدرة على العمل.


الصفحة التالية
Icon