"الأشد": كمال القوة والعقل والتمييز، وهو من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد كالأسدّة والقتود والأباطيل وغير ذلك، وكأنها شدّة في غير شيء واحد، فبنيت لذلك على لفظ الجمع. وقرئ: "ومنكم من يتوفى"، أى يتوفاه الله (أَرْذَلِ الْعُمُرِ) الهرم والخرف، حتى يعود كهيئته الأولى في أوان طفولته: ضعيف البنية، سخيف العقل، قليل الفهم. بين أنه كما قدر على أن يرقيه في درجات الزيادة حتى يبلغه حد التمام، فهو قادر على أن يحطه حتى ينتهى به إلى الحالة السفلى (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) أى: ليصير نساء بحيث إذا كسب علما في شيء لم ينشب أن ينساه ويزل عنه علمه حتى يسأل عنه من ساعته، يقول لك: من هذا؟ فتقول: فلان، فما يلبث لحظة إلا سألك عنه. وقرأ أبو عمرو: "العمر"، بسكون الميم. "الهامدة": الميتة اليابسة. وهذه دلالة ثانية على البعث، ولظهورها وكونها مشاهدة معاينة، كررها الله في كتابه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كالأسدة)، وهو جمعُ "سَدّ" بمعنى العيب كالحاجز. الجوهري: والسد بالفتح: واحدُ الأسدة، هي العيوبُ، مثل العمى والصمم والبكم، جُمع على غير قياس، وكان قياسه: سُدوداً. ومنه قولهم: لا تجعلن بجنبك الأسدةَ: أي: لا تُضيقنَّ صدرك، فتسكُتَ عن الجواب كمن به صممٌ وبكمٌ.
قوله: (والقتودُ) جمع قَتَدٍ، وهي على غير قياس، وجمعه لقياسي في القلة: أقتادٌ، ونظيره في الشذوذ: أسودٌ، جمع أسدٍ في الكثرة، وقال صاحب "التقريب": وفيه نظرٌ؛ لأنه جمعٌ على غير قياس. قال الجوهري القتدُ: خشبُ الرحل، وجمعه، أقتادٌ وقتود.
قوله: (لم ينشب)، ويروى: لم يلبث، وهو مثل قولهم: ما لبث أن فعل كذا لقوله تعالى: (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) بهود: ٦٩].
قوله: (وقرأ أبو عمرو: "العُمْرُ"، بسكون الميم)، أي: في الشاذة.