هذا كلام قد دخله اختصار. والمعنى. إن الله ناصر رسوله في الدنيا والاخرة، فمن كان يظنّ من حاسديه وأعاديه أن الله يفعل خلاف ذلك ويطمع فيه، ويغيظه أنه يظفر بمطلوبه، فليستقص وسعه وليستفرغ مجهوده في إزالة ما يغيظه، بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيظ كل مبلغ حتى مدّ حبلا إلى سماء بيته فاختنق، فلينظر وليصوّر في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه؟.........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هذا كلامٌ قد دخله اختصارٌ)، يعني: قوله: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) يستدعي كلاماً يذكرُ فيه أن الله تعالى ينصر رسوله في الدنيا والآخرة. ومنكراً ينكره؛ لأن الضمير في (يَنصُرَهُ) يطلب مرجوعاً إليه، و (لَنْ يَنصُرَهُ) يوجب كلاماً أنكر فيه ما يصلح أن يكون هذا رده، كما سبق أنك تقول لصاحبك: لا أقيم غداً، وإن أنكر عليك قلت: لن أقيم غداً.
وأما بيانُ النظم فإنهُ تعالى لما قسم المعاندين والمخالفين إلى المجادلين ومن لا يثبت على الإسلام، وبالغ في هدم قواعدهم وأساس دينهم، وبين أنهم خسروا الدنيا والآخرة، وأن معبوديهم غير قادرين على دفع خسرانهم ذلك، بل يتضررون بسبب عبادتهم ويعبدون من ضره أقرب من نفعه، ومن يقالُ في حقه: لبئس المولى والعشير، عقبه بذكر أضدادهم ومن أعمالهم علىخلاف أعمالهم، من مولاهم وناصرهم يقالُ في حقه: نعم المولى ونعم النصير، حيث يُدخلهم- لأعمالهم الصالحة- جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، وينصرهم في الدنيا والآخرة، وأبرز ذلك إبرازاً يزيدُ في حرة أضدادهم، فإن الإحسان إلى الأضداد مما يزيدُ في غم الضد، وداخلٌ في جملة التنكيل بهم.
قوله: (ويغيظه أنه يظفرُ بمطلوبه)، والضميرُ في "أنه" لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروى: "أنه لا يظفر بمطلوبه"، فالضمير حينئذٍ للحاسد.
قوله: (الذي يغيظه)، يريد أن "ما" في (مَا يَغِيظُ): موصولةٌ، وجعلها الزجاج مصدرية، أي: هل يُذهبن كيده غيظه، أي على سبيل الاستهزاء. أي: سمى خنق نفسه


الصفحة التالية
Icon